التنوع البيولوجي تحت التهديد.. كيف يواجه مؤتمر COP28 التحديات المناخية؟
رحلة السباق ضد الزمن (4)
يُعِد العلماء العلاقة بين التنوع البيولوجي والتغير المناخي من أهم التحديات التي تواجهها البشرية في القرن الحادي والعشرين، فعلى مدى العقود الماضية شهد الكوكب تدهورًا مستمرًا في التنوع البيولوجي وتغيرات مناخية غير مسبوقة، ما يؤثر بشكل كبير على النظم البيئية والحياة على وجه الأرض.
والتنوع البيولوجي أحد أسس استدامة الحياة على الأرض، إذ يشمل الكائنات الحية المتنوعة والنظم البيئية المعقدة التي تتفاعل في بيئتنا.
وتشير التقارير العلمية إلى أننا نشهد حاليًا معدلات انقراض متسارعة للكائنات الحية وفقدانًا كبيرًا للتنوع البيولوجي، هذا التدهور يعززه التغير المناخي، الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، والتغيرات في نسق الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، وغيرها من الظواهر البيئية المترابطة.
من هنا تأتي أهمية المؤتمرات الأطراف للأمم المتحدة حول التغير المناخي، والتي تجمع المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة للتصدي لهذه التحديات.
ومن المتوقع أن يكون COP28 مناسبة لاستعراض التقدم المحقق وتبني خطط طموحة للحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي.
وتأتي هذه الأهداف في ضوء التحذيرات العلمية المستمرة بشأن الآثار الكارثية للتغير المناخي على الطبيعة والبيئة، فعلى سبيل المثال، يشير تقرير "التقييم التالي للتنوع البيولوجي والخدمات النظمية" الصادر عن المنتدى البيئي العالمي إلى أن حوالي مليون نوع مهدد بالانقراض من النباتات والحيوانات قد يختفي خلال العقود القادمة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية وفعالة.
وهذا ليس فقط خسارة كبيرة من حيث الجمال الطبيعي والتنوع الحيوي، بل يؤثر أيضًا على الاقتصادات المحلية والصحة البشرية.
لذا، يعتبر البعض COP28 فرصة حاسمة لتحقيق تقدم حقيقي في حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي، يستلزم تبني المشاركين في المؤتمر إجراءات جادة للحفاظ على النظم البيئية وتعزيز التنوع البيولوجي.
ولتحقيق ذلك، يجب أن تكون هناك التزامات قوية وملزمة للدول المشاركة في المؤتمر، بما في ذلك تعزيز الحماية القانونية للمناطق الطبيعية الحساسة وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الصيد غير المشروع وتجارة المواد الحيوية.. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تعزيز الجهود للتأكد من تكامل السياسات البيئية والمناخية.
وفي الحلقة الرابعة من "رحلة السباق ضد الزمن"، "جسور بوست"، الأزمة وما قد يقدمه لها COP28 من حلول.
لماذا التنوع البيولوجي مهم؟
يجيب عن هذا السؤال عضو منظمة الفاو الدكتور نادر نور الدين بقوله: إن الحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي يمثل أهمية بالغة في مواجهة التغير المناخي وتحقيق الاستدامة البيئية، ولذا سنجد أن جميع المؤتمرات المنعقدة لمواجهة تأثيرات المناخ على الكوكب تهتم بهذه المشكلة، حيث إن النظم البيئية الصحية والتنوع البيولوجي الغني يلعبان دورًا حاسمًا في مقاومة التأثيرات السلبية للتغير المناخي، فالتنوع البيولوجي يوفر مجموعة واسعة من الكائنات الحية المتكيفة التي تساعد على تعزيز المرونة البيئية وتحسين تكيف النظم البيئية مع التغيرات المناخية، كذلك فإن النظم البيئية الصحية مثل الغابات والمراعي والمستنقعات تلعب دورًا مهمًا في تخزين الكربون وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فعندما يتم إتلاف النظم البيئية، يتم إطلاق الكربون المخزن فيها، ما يزيد من تركيز غازات الاحتباس الحراري في الجو ويسهم في زيادة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": للنظم البيئية الصحية فوائد ليس لها حصر، وهي توفر لنا مجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية مثل المياه العذبة والأغذية والألياف الطبيعية والمواد الطبية، وبالحفاظ على هذه الموارد واستدامتها يمكننا تلبية احتياجاتنا الحالية دون المساس بقدرات الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها، أيضًا لا يمكن أن يكون هناك توازن بيئي دون وجود التنوع البيولوجي، فكل كائن حي يلعب دورًا مهمًا في السلسلة الغذائية ونظام البقاء على قيد الحياة في الطبيعة، وإذا تم تدهور التنوع البيولوجي، فقد ينتج عن ذلك انهيار سلسلة الغذاء وتعرض النظم البيئية للانهيار، ما يؤثر سلبًا على البشر والكائنات الحية الأخرى.
واستطرد: لذا نجد أن كثيرا من الدول تسعى جاهدة إلى الحفاظ على بعض الكائنات من الانقراض، ولهذا أهداف اقتصادية أيضًا؛ النظم البيئية الصحية توفر فرصًا اقتصادية مهمة عبر القطاعات المختلفة مثل الزراعة والصيد والسياحة البيئية، والحفاظ على النظم البيئية يعزز الاستدامة الاقتصادية عن طريق توفير فرص عمل وتحسين دخل السكان المحليين.
الدكتور نادر نور الدين
وأتم: بشكل عام، الحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيولوجي يعزز قدرة البيئة على التكيف مع التغير المناخي ويوفر لنا فوائد اقتصادية واجتماعية.. لذا، يجب علينا اتخاذ خطوات فورية لحماية واستدامة النظم البيئية والتنوع البيولوجي في مواجهة التحديات المناخية المستقبلية.
الاختلال البيولوجي
بدورها أوضحت الخبيرة اليمنية في مجال البيئة، الدكتورة إشراق السباعي، خطورة الاختلال البيولوجي وفقدان التنوع وما يمكن أن يؤدي إليه من تأثيرات كبيرة على الاقتصادات العربية والعالمية والصحة البشرية على عدة أصعدة، منها إنتاجية الزراعة والصيد، حيث يترتب عليه تراجع في محاصيل الغذاء وتنوع الأصناف المزروعة، وتناقص مخزون الأسماك، وهذا يؤثر سلبًا على الأمن الغذائي والاقتصاد المستدام، مؤكدة أن فقدان التنوع البيولوجي يؤدي إلى تدهور المناظر الطبيعية وانقراض الحيوانات والنباتات النادرة، ما يقلل من جاذبية الوجهات السياحية ويؤثر على الدخل المتعلق بالسياحة، وهنا تأتي أهمية ودور مؤتمرات الأطراف التي تقيمها الأمم المتحدة.
وأضافت السباعي في تصريحات لـ"جسور بوست": التنوع البيولوجي يشكل مصدرًا مهمًا للمواد الطبية والمركبات الحيوية التي تستخدم في الصناعات الدوائية والبيوتكنولوجيا، وفقدان هذا التنوع يقلل من فرص اكتشاف وتطوير علاجات جديدة ومبتكرة، ويؤثر على الابتكار والاقتصاد، وعندما يتم انقراض أنواع الحيوانات المضيفة أو النباتات المستضيفة، قد يتم تحويل الأمراض إلى البشر بشكل أسرع وأكثر فتكًا.
واستطردت: تتأثر سلبًا بالطبع وبكثرة إمكانية توفير الغذاء الآمن والمتنوع، وكذلك تراجع تنوع المحاصيل يعني تقليل خيارات الغذاء وزيادة احتمالات نقص التغذية ونقص المغذيات الأساسية للجسم.
الدكتورة إشراق السباعي
وأتمت: لمواجهة هذه التحديات هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات لحماية واستعادة التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية، يمكن أن تشمل هذه الإجراءات وضع سياسات حماية البيئة، وتقديم حوافز اقتصادية للحفاظ على النظم البيئية وتعزيز الاستدامة.
تونس تحاول
وعن تجربة بلدها تحدثت الإعلامية التونسية ريم بن خليفة بقولها، إن تونس من أكثر الدول العربية تأثرًا بالتغيرات المناخية بسبب موقعها الجغرافي، وأدى ذلك بها إلى مجموعة من التغيرات في المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وزيادة تكرار الظواهر الجوية المتطرفة، موضحة أن بلادها تحاول جاهدة السير في طريق الاستثمار الأخضر مشجعة الممارسات الزراعية المستدامة التي تحمي التنوع البيولوجي وتقلل من تأثيرها البيئي، وقد تبنت بالفعل الممارسات العضوية، وتحسين إدارة الموارد المائية والتربة، وتعزيز التنوع الزراعي.
وأضافت في تصريح لــ"جسور بوست": بسبب التصحر الحادث في تونس وتأثيره لجأت الحكومة إلى إنشاء المناطق المحمية وإدارتها بشكل فعال للحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم البيئية الحساسة، مشيرة إلى أن ما ينقصهم هو زيادة التوعية بأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي وتأثيراته الاقتصادية والصحية.
وأكدت ريم ضرورة أن تكون التوعية جزءاً من المناهج التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية، وقالت إن فقدان التنوع البيولوجي يشكل تحديًا كبيرًا للاقتصادات العربية والعالمية والصحة البشرية، ومع ذلك يمكننا تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على صحة البشر وازدهار الاقتصادات من خلال اتخاذ إجراءات فعالة لحماية واستعادة التنوع البيولوجي.
التنوع البيولوجي وCOP28
ومن السعودية علق الكاتب والسيناريست فاروق الشعيبي بقوله: نحن سعداء بأن دولة عربية مثل الإمارات وقبلها مصر تقيم مثل هذا المؤتمر محققة في مواجهة التغيرات المناخية إنجازات عالمية، وكذلك السعودية، والحقيقة أن الدول العربية رغم أنه ليس لها في الأمر لا ناقة ولا جمل، أي أنها متضررة دون أن تكون سببًا في المشكلة، فإن المنطقة أخذت على عاتقها التصدي للمشكلة، وقد أبلت في ذلك بلاء حسنًا.
فاروق الشعيبي
وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": بخلاف الدور السياسي وتأثيره الاقتصادي، فإن COP28 سيكون حاسمًا في حل كثير من مشكلات المناخ ومنها التنوع البيولوجي، خاصة أن الدولة المنظمة له تعاني منه ووجدت له حلولًا بالفعل، ولا يخفى على أحد مقدار ما قدمته الإمارات في هذا الشأن، والمؤتمر فرصة كي ندعو جميع الأطراف لأن تعمل معًا لتحديد التدابير المشتركة التي تتعلق بالتنوع البيولوجي والمناخ، والتي يمكن أن تعزز الحفاظ على النظم البيئية والتخفيف من تأثيرات تغير المناخ.
وأتم: يمكن أن يكون لـCOP28 دور أيضًا في تعزيز الالتزام بحماية واستعادة النظم البيئية المهمة للتنوع البيولوجي، ومناقشة استراتيجيات عدة وطرق للمحافظة على المناطق الحيوية الحساسة وترميم النظم البيئية المعرضة للتدهور، ما يسهم في الحد من فقدان التنوع البيولوجي والتأثيرات السلبية لتغير المناخ.